تابعت بانبهار شديد كما تابع غيري الكثيرون على امتداد الأيام الماضية - منذ الثامن عشر من إبريل الماضي بالتحديد - الحراك الناضج والواعي للطلاب في الجامعات الأمريكية والذين ربما مثلوا حتى اللحظة الصوت القوي الوحيد الصارخ في وجه الإدارة الأمريكية التي تماهت كعادتها مع العدوان الصهيوني إلى أقصى درجة دون رادع يوقفها عند حدها وهو الحراك الذي مثل صدمة حقيقية ليس للبيت الأبيض فحسب بل وللمشرعين الأمريكيين أيضا والذين اعتادوا وعلى مدى العقود الماضية أن مواقفهم من "إسرائيل" وتعاطيهم مع الصراع الدائر في الأرض المحتلة لصالح الاحتلال ليس فقط خط أحمر ولكنه كذلك أحد أوراقهم لكسب التأييد الجماهيري وتحقيق الطموحات السياسية لكل منهم.
وبالطبع فإن هذا الحراك الطلابي بما هو عليه ووفق ظرفيته له في نظري دلالات ونتائج خطيرة لعل أهمها:
• أثبت هذا الحراك أن كل المحاولات الأمريكية الدؤوبة وجهود الإعلام الذي تسيطر عليه اللوبيات الصهيونية لنحو ثمانين عاما تقريبا قد فشلت في تغيب وعي الجيل الجديد من الشباب الأمريكي بشأن ما يحدث في الأرض المحتلة وتزييف الحقائق حيث برهنوا على إدراكهم الدقيق للفرق بين إدانة الإبادة الحاصلة والحرب اللإنسانية واحتلال الأرض ودعوى معاداة السامية التي ليست إلا سيفا مسلطا على رقاب كل من يدين الاحتلال.
• أن الحراك والاحتجاجات هذه المرة ليست شعبوية بالمعنى التقليدي فغالبية المشاركين فيها من الطلاب الجامعيين بل ومن نخبة الطلاب الجامعيين الذين ينتمون إلى جامعات بارزة مثل كولومبيا وييل ونيويورك وهارفارد فضلا عن طلاب نحو 75 جامعة وكلية أمريكية أخرى وهو ما يقطع الطريق على أي دعاوى تستهدف الإساءة للحراك والتقليل من شأنه.
• ساهم رد الفعل الأمني العنيف على الحراك الطلابي في تعرية دعاوى الديمقراطية الأمريكية وتشويه وجه أمريكا التي كانت تقدم نفسها وما زالت باعتبارها المدافع عن قيم الديمقراطية وحرية الرأي فقد بدا واضحا أمام الرأي العام حجم التناقض بين هذا الخطاب المنافق والواقع الحقيقي.
• سيدفع بكل تأكيد هذا الحراك الإدارة الأمريكية لاحقا إلى اتخاذ العديد من الإجراءات التي تكفل لها فرض المزيد من السيطرة على الجامعات الأمريكية والحد من نشاط الطلاب العرب والمسلمين في هذه الجامعات والذين كان لهم بكل تأكيد دور مهم في هذا الحراك.
• بات الحديث عن وجود نموذج ديمقراطي مثالي يمكن أن يحتذي به أمر مشكوك فيه فالديمقراطية باتت عرجاء في كل مكان والنموذج الغربي متجسدا في فرنسا وأمريكا وغيرهما بات مشوها لأقصى درجة الأمر الذي سيكون له انعكاساته الفكرية في السنوات المقبلة أقلها مواصلة المراجعات حول مفهوم الديمقراطية وأبعادها الحضارية.
• أكد مجددا رد الفعل الأمريكي النظامي على الحراك الطلابي أن العلاقات الأمريكية – "الإسرائيلية" ليست علاقة قائمة على المصالح الاقتصادية والسياسية فحسب رغم أهمية هذا البعد كون "إسرائيل" دولة وظيفية لكن ثمة بعد أيدلوجي وعقائدي بين الطرفين لعل بعض مظاهره تبينت بوضوح في التحقيق الذي أجراه الكونجرس مع رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق.
• تنبه الشعب الأمريكي ونخبته ممثلة في الحركة الطلابية إلى خطورة الإستراتيجية الأمريكية في التعاطي مع الكيان وأن مواصلة هذه الإستراتيجية هو تهديد حقيقي لمصالح أمريكا وهو ما دفعهم إلى رفع شعار "ليس باسمي".
• ستنتاب المؤسسات والمنظومات الإعلامية التقليدية بكل تأكيد حالة من الفزع بعدما تكشف أنها فشلت في دفع الأمريكيين لحصر متابعة ما يجري في الأرض المحتلة على ما تقدمه من مادة إعلامية تشكل وعيا موجها فأغلب الأمركيين وفي مقدمتهم الطلاب أضحوا يتعرفون على حقائق ما يجري من مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تخضع لقيود المؤسسات وحسابات الأنظمة الأمر الذي ربما سيدفع هذه المؤسسات إلى التفكير جديا في البحث عن آليات لضبط الأمور.
• لا يجادل اثنان من المتابعين في أن الحراك الطلابي سيفرض نفسه على أية انتخابات ستشهدها الولايات المتحدة في الفترة المقبلة سواء كانت تشريعة أو رئاسية فالقوى السياسية في أمريكا أدركت أن تغييرا جوهريا حدث في المزاج الشعبي الأمريكي تجاه الصراع العربي الصهيوني وأنه يجب النظر بجدية لهذا التحول ومراعاته وهو ما سيصب بالتأكيد في صالح القضية الفلسطينية.
• سيمنح هذا الحراك بتداعياته السلبية دعما لا محدود للقضية الفلسطينية والصراع العربي – الصهيوني فهو بلا شك دعوة ستدفع الكثيرين من الغربيين بشكل عام وأبناء الشعب الأمريكي بشكل خاص إلى إعادة البحث عن تاريخ نشأة هذ الصراع وحقيقته ومن ثم مطالعة وجهات النظر المختلفة حوله دون الانقياد لرؤية أحادية مزيفة.
• كشف الدور الذي لعبته الحركة الطلابية الأمريكية عن مدى حاجة العرب والمسلمين إلى تفعيل الحركة الطلابية في الجامعات العربية والإسلامية حيث كان للحركات الطلابية المصرية والعربية دور رائد في العديد من القضايا العربية والإسلامية.. ومن ثم فإن هذه الحاجة لحركة قوية يجب أن يتجاوز حدود النظرة الضيقة عن مدى اتفاق توجهاتها أو اختلافها مع الأنظمة الحاكمة في بلداننا العربية فقد بدا جليا أن هذه الحركات بوصلة تضبط المسار كما أنها بالفعل يمكن أن تكون ورقة جيدة يمكن أن تستخدمها الأنظمة الحاكمة للرد على أية ضغوط خارجية.
• سلوك الأجهزة الأمنية الأمريكية على الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية هو إشارة سلبية لكل الأنظمة في بقية الدول وخاصة القمعية منها لكيفية التعاطي مع أي حراك طلابي وهو ما يهدد مستقبل الحركة الطلابية في الكثير من دول العالم بكل أسف.
• سيبعث الحراك الطلابي في أمريكا وغيرها رسالة شديدة اللهجة لقادة الكيان بأن زمن الضوء الأخضر المتاح دائما قد انتهى وأن ثمة سقف يجب أن لا يتم تجاوزه فيما بعد بشأن الممارسات التي يقوم بها الاحتلال في الأرض المحتلة وهي بلا شك نتيجة مهمة.